في الالماس فحم

ما الأفضل: أن تكون دقيقاً في أمور حياتك أو لا تكون؟

أعتقد من الصعوبة الإجابة بنعم أو لا؛ لأن الدقة تارة تكون ضرورة ملحة لا بد منها فمثلاً: الخطأ في إشارة معادلة رياضية(-)أو(+) كفيل بأن يجعل المسألة من مستحيلة الحل إلى ممكنة الحل!

والخلل في كتابة برنامج إلكتروني يحتوي ملايين الأسطر البرمجية قد يعود إلى فاصلة أو نقطة!

ولو تَأخَّرَت آلات التعبئة في المصانع لحظات عن خط سير عُلَبِها التي تسير بطريقة آلية ربما كلفت الشركة خسائر فادحة!

والسطحية في تحليل مشكلة اجتماعية في بلد ما.. ضمان لبقائها، بل لزيادتها في بعض الأحيان!

ومع ذلك كله ليست الدقة هي الفضلى دائماً!

ففي العلاقات الاجتماعية والإنسانية يحبذ العكس.. فلو عاتب الصديق خليله في كل صغيرة وكبيرة من هفواته – ولو على سبيل الإصلاح – لقطع حبل وده! والشاعر يقول:

إذا كنت في كل الأمور معاتباً

صديقك لم يبق الذي لا تعاتبه

فعش واحداً أو صل أخاك فإنه

مقارف ذنب مرة ومجانبه

ولو جعلت كرمك لمن تنتظر منه أن يكرمك لم يصدق عليك وصف الكريم! وإذا عفوت عمن أساء إليك قد لا يعفو عنك إذا أخطأت عليه! وإذا أعطيت من تحبه كلّك، فتوقّع أن يمنحك بعضه، والسبب أن البشر لا تنطبق عليهم القاعدة الفيزيائية الدقيقة: (لكل فعل ردة فعل مساوية في المقدار ومعاكسة في الاتجاه).

وفي مجال الاستمتاع بملاذّ الحياة لا تدقق في زواياها الضيقة ولذا جعل بعض المفكرين السعادة حكراً على بسطاء الناس الذين لا يهتمون بدقائق مشاكل الحياة المستقبلية وإنما يتقنون سعادة اللحظة! وهذا – إلى حد ما صحيح – فإنك لكي تستمتع بحلاوة الشوكولاتة لا تنظر إلى مكوناتها! ولتشعر بجمال البدر في الليلة الظلماء لا تركّز في حفره! وإذا راق لك منظر عقدٍ من الألماس فلا تقل: يحتوي على جزيئات الفحم!

وإذا أراد الزوجان العيش بسعادة فليطبقا حديث الرسول (لا يَفْرَكُ مُؤْمن مؤمنة إن كَرِه منها خُلُقاً رَضِي منها آخر).

ما سبق لا يخفى على البعض ولكن الذي يخفى هو عملية الفصل بين بيئة عمل تتطلب تركيزاً دقيقاً وبين حياةٍ اجتماعيةٍ تستلزم خلع ثياب الدقة ولبس ثوب آخر؟!

محمد عبد الله العبد الهادي

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود

أضف تعليق